ثالوث الفوز والفرح الخلجاوي

 

ثالوث الفوز والفرح الخلجاوي

                                             

 

محمد العباس

 

كثيرة هي المشاهد المؤثرة والرسائل التي تم توجيهها في حلقة أكشن يا دوري التي بُثت على الهواء مباشرة يوم السابع عشر من إبريل من ملعب نادي الخليج الرياضي بسيهات احتفالاً بصعوده إلى مصاف أندية الدرجة الممتازة. إذ لا يمكن نسيان صورة المشجع المعروف باسم (الجسمي) وهو يرتدي (دراعة) بألوان نادي النهضة فيما كان يمسح دموعه بوشاح نادي الخليج، وهو في غاية الانفعال والتأثُّر. حيث أعطاه جمهور الخليج المساحة الأكبر لأداء الرقصات الاحتفالية أمام المنصة وعدسات الإعلام، على إيقاع أهازيج وشيلات رابطة المشجعين.

 

والرسالة هنا تبدو على درجة من الوضوح والشفافية، فالفرح ليس سيهاتياً فقط، بل هو عيد لكل الشرقاويين. فأن يحضر الجسمي كسفير لجماهير الشرقية ويشارك الخلجاويين بهجتهم يعني أن مساحة الفرح تتسع لما هو أبعد من النادي ومن سيهات. كما أن إفساح الميدان للمشجعين بتلك الصورة الفائضة، إنما يدل على الامتنان لهم، والاعتراف بدورهم المحوري في التأهُّل. حيث لم تبلغ السفينة الخلجاوية مرساها إلا على أمواج دموع رابطة المشجعين بقيادة المهندس حسين المبارك، وعلى ايقاع هتافاتهم التي لم تتوقف طوال الدوري. إذ أثبت هذا الجمهور أنه جمهور مدرجات وليس جمهور شاشات. وهذا هو جوهر الرسالة الأولى، إذ يعد الخليج عشاق كرة القدم بموسم كروي يكون فيه مشجعوه علامة من علامات الوله الرياضي. 

 

حتى الآن لم تتعرف عدسات المصورين على الوجوه التي حققت الانتصار. إذ ما زالت بعض الصحف تجتر من أرشيفها صور الإدارات القديمة حتى في ليلة التكريمأما الرسالة الثانية فيمكن التقاطها من وجود عدد من الراعين وأعضاء الشرف في حفل التكريم الذين لم تألفهم أروقة النادي. ولا يبدو على أي منهم السحنة السيهاتية. فمشهد تسلُّم وليد الفراج هدية نادي الخليج من يوسف المجدوعي وعبدالعزيز الموسى، لا يعني فقط الامتنان لأولئك الذين وقفوا مع النادي وساهموا بإنقاذه مادياً ومعنوياً عندما كانت خزانته فارغة إلا من وعود بعض رجال الأعمال في سيهات، إنما يعني كذلك انفتاح أبواب النادي على المكوّن الوطني. والقول بأن النادي والأرض التي يقع عليها، تفتح ذراعيها لكل من يحب أن يكون جزءاً من الفرح والبرنامج والوعد الخلجاوي. حتى الصورة المسرحية للكرسي الفارغ المخصص لغسان النمر، كانت بليغة بما يكفي ومهيبة بقدر الوعود عندما أُعلن عن تبرعه بمعسكر في أوروبا ولاعب أجنبي.

 

كل ذلك الحشد من الشخصيات الاعتبارية الحاضرة والغائبة، جعل إدارة النادي ممثلة في الرئيس فوزي الباشا ونائبه نزيه النصر، يتحدثان بلغة الأرقام المليونية، فيرسمان وبمنتهى التواضع والحذر إمكانيات البقاء والتنافس في دوري الأضواء، وخطط الكسب على المدى البعيد. وهنا مغزى الرسالة الثالثة، وهي الأهم. فإدارة نادي الخليج الشابة، إنما أرادت من خلال علاقاتها العامة الناجحة مع مختلف الفعاليات الاقتصادية في المنطقة، وإدارتها الواضحة والشفافة لأمور النادي، واكتسابها الواضح لحب الجمهور، أنها تعيش لحظة التخطيط والفكر الرياضي وليس زمن الديناصورات والوجاهة الاجتماعية.

 

الخليج ناد عريق جداً، وإن كان متواضعاً في إنجازاته وقدرته على المنافسة في كرة القدم لأسباب موضوعية. وهو على درجة كبيرة من التشابه مع أندية كثيرة كانت تعاني من تسلّط الذهنيات التقليدية التي تريد احتكار إطار الصورة، ولا تقدر على تطوير الأداء الرياضي. وبمجيء هذه الإدارة الشابة يمكن القول إن النادي قد بدأ خطوته الأولى باتجاه تحرير النادي وليس فريق كرة القدم وحسب من سطوة المتكلّسين. على الرغم من وجود طابور يراهن على تحبيطها وإفشال كل مشاريعها. وهذا أمر طبيعي جداً ويمكن تفهمه والتغلُّب عليه بشيء من الوعي والصبر والحُبّ.

 

حتى الآن لم تتعرف عدسات المصورين على الوجوه التي حققت الانتصار. إذ ما زالت بعض الصحف تجتر من أرشيفها صور الإدارات القديمة حتى في ليلة التكريم. ربما بقصد أو بدون قصد. أو ربما لأن النادي مكث في الظل أكثر مما ينبغي، ولم تهتم الصحف بتحديث أرشيفها. وهذا لا يهم، إذ لا يبدو أن الإدارة الجديدة معنية بصورتها الإعلامية أكثر مما تعمل على النجاح. فهي لم تكتف بتحقيق حلم الصعود وحسب، بل رسمت الشكل الوطني الجديد للنادي بمختلف أطيافه سواء على مستوى الطاقم الإداري أو التدريبي وحتى اللاعبين والمشجعين. فالمدرب والداعم واللاعب داخل عنوان وطني كبير وجاذب.

 

ما يقترحه الخليج الجديد أكثر من مجرد فريق رياضي ينافس على البطولات، أو هذا ما نحلم به. ويمكن القول هنا إنه نتيجة طبيعية لشكل ما من أشكال التفكير الإداري المتعلق بالرياضة. بمعنى أن الإدارة تمتلك رؤية مستقبلية تعاند كل ما كان في السابق. وعلى هذا الأساس سيدخل الخليج مسابقة الموسم القادم. أي بجمهورٍ محبٍ ومخلص، وبفصيل من الراعين الذين يراهنون بأسمائهم قبل أموالهم في ميزان الفعل الوطني. وبإدارة مهجوسة بفكرة الفوز وتقديم صورة متقدمة عما ينبغي أن يكون عليه النادي، الذي يأخذ موضعه في بقعة ما من هذا الوطن ويقنع الجميع بأنه يستحق الحُبّ والتشجيع بموجب إنجازاته.

 

** نقلاً عن صحيفة اليوم السعودية بتاريخ 1/5/2014 م

Close Menu